يمن الواقع

القاهرة، المدينة التي لا تنام والتي كان الليل والنهار يتواصلان فيها في زخم وطنين لا ينقطعان أصبحت تنام مبكرا ويمتد الظلام على طرقاتها ويسود فيها صمت مطبق لم تعهده بسبب فرض حظر التجوال منذ 14 أغسطس ولمدة شهر.
ورحب الناس بقرار الحكومة بتقليص عدد ساعات الحظر ليبدأ الساعة التاسعة مساء وليس السابعة مساء، ويستثنى من ذلك يوم الجمعة الذي درجت العادة أن تخرج فيه مظاهرات للإخوان المسلمين للمطالبة بعودة الرئيس محمد مرسي الذي عزله وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بتأييد شعبي واسع النطاق.

وانحسرت أعمال العنف في الأيام القليلة الماضية بعد أن تراجعت الاحتجاجات التي كانت جماعة الإخوان المسلمين تدعو إليها بعد أكثر الأسابيع دموية حيث مات ما يزيد على 1000 شخص.

وفضلا عن تغير نمط حياة الشعب الذي لم يعتد على أن يكون حبيس المنزل منذ ساعة مبكرة، كان لحظر التجول أثار اقتصادية انعكست على دخل الدولة والأفراد.

فعدد كبير من الشعب يعمل في وظيفتين ليتمكن من مواجهة تكاليف الحياة التي لا تكفي المرتبات الضئيلة التي يحصل عليها أغلبية المصريين من تغطيتها.

يقول محمد المهدي أنه يعمل "موظفا في جامعة خاصة من الثامنة صباحا وحتى الخامسة مساء، ثم أعمل في تحصيل فواتير مطعم من السابعة مساء وحتى الثانية صباحا وأجمع من الوظيفتين نحو 3 آلاف جنيها يكفونني بالكاد أنا وزوجتي وطفلتي".

"بالإضافة إلى عملها في الجامعة صباحا، كانت زوجتي تعمل أيضا مساء في إحدى عيادات أحد الأطباء المشهورين وتحصل على إكراميات ومرتب معقول يساعدنا في النفقات حيث إنها مسؤولة عن أخت يتيمة".

"توقف هذا الدخل لأن لا المطعم ولا عيادة الطبيب يعملون منذ الحظر"، حسب المهدي.

ارتفعت أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية منذ بدء فرض الحظر بسبب ارتفاع تكاليف واضطراب حركة النقل.

وقال رضوان العشري، تاجر فواكه وخضروات، أن أسعار السلع التي يتاجر بها قد ارتفعت بنسبة تتراوح ما بين 15 و 20 بالمائة عن فترة ما قبل الحظر.

وأرجع العشري ذلك إلى تراجع الكميات الواردة من الأقاليم إلى سوق العبور للجملة بالقاهرة بسبب توقف السير أثناء ساعات الحظر فضلا عن خوف السائقين بعد تعرض عدد منهم للسطو.

وأكد هلال عفيفي، مسؤول التسعير بسوق العبور، أن الكميات الواردة أقل من معدلاتها الطبيعية بنسبة ١٥ % بسبب صعوبة الانتقال بين المحافظات خلال الحظر.

وأشار أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إلى أن هناك سلوكيات تؤدى إلى ارتفاع الأسعار خلال الأزمات، نتيجة تزايد عمليات الشراء من أجل التخزين.

و قال المهندس عبد الله فوزي، رئيس الشركة المصرية لتشغيل مترو الأنفاق، أن خسائر توقف حركة قطارات مترو الأنفاق، منذ تطبيق الحظر، بلغت 60% من حجم الإيرادات اليومية بما يساوى نصف مليون جنيه تقريبا.

كذلك تأثر قطاع السينما وتوقفت تماما إيرادات الأفلام التي تم عرضها خلال عيد الفطر نهائيا بسبب إلغاء الحفلات المسائية التي يقبل عليها الجمهور، حسب ما أعلن سيد فتحي مدير غرفة صناعة السينما المصرية

"كان حظر التجول أساسيا ولاحظنا فعلا عودة الأمن منذ فرضه، لكننا لم نعتاد البقاء حبيسي جدران المنزل منذ هذا الوقت المبكر فلم نكن نبدأ في الخروج إلا عند التاسعة مساء على أقل تقدير لنعود بعد منتصف الليل بساعات عديدة"، كما يقول سيف الشهاوي، 29 عاما، موظفا بشركة اتصالات.

ويضيف الشاب "الملل يقتلنا، فقد أصبحنا نستبدل الجلوس على المقاهي والضحك والأحاديث وتدخين الشيشة بالسمر الاصطناعي عبر شبكات التواصل الاجتماعي حتى الصباح".

ويشكو الكثيرون من زيادة أوزانهم بسبب محاولة التغلب على حالة الملل بتناول الأطعمة المختلفة خاصة تلك التي يتم تناولها بين الوجبات وأثناء مشاهدة التليفزيون وهي الغنية بالسعرات الحرارية.

وتعتبر هذه من المرات النادرة، التي يحترم المصريون فيها حظر التجول بنسبة مرتفعة حيث كانوا دائما يتحدونه وينزلون إلى الطرقات، حتى بأعداد أقل من المعتاد مثلما حدث أثناء ما عرف بأحداث الأمن المركزي عام 1986.

كما فشل تماما الحظر الذي حاولت حكومة الرئيس السابق محمد مرسي فرضه في ديسمبر على عدة مدن بمنطقة القنال إثر الاضطرابات التي تلت الإعلان الدستوري فكان معارضيه ينتظرون موعد بدء سريان الحظر للنزول بأعداد غفيرة وتنظيم مباريات ودية لكرة القدم في الشوارع.

لذلك انطلقت النكات التي تقول أن "السيسي نجح فيما لم ينجح فيه أحد فقد تمكن من جعل الشعب المصري ينام منذ التاسعة مساء".

المصدر:سكاي نيوز